للإمام الدعاة، فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، مكانة عالية ومنزلة سامية.
تبوأت في ذاكرة التاريخ المعاصر موقعا يجعل الذين عاصروه ينقلون إلى من بعدهم من الأبناء والأحفاد أنهم رأوا هذا الإمام وعاصروه، وشرفوا بالاستماع إليه ومعايشته.
يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف:
لقد سعدت بصحبته، وبمحبته وصداقته، فوجدته أحد الأئمة القلائل الذين لا يظهرون في التاريخ إلا على فترات متباعدة.
أحسبه ـ ولا أزكيه على الله ـ أحد الذين لهم قدم صدق عند ربهم، أحب القرآن فأفضى إليه بأسراره، وأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض عليه من أنواره.
تمتع بالتواضع الجم الذي لا يتسم به إلا شوامخ الأئمة والعلماء، فمن صور تواضعه أن كنا في مجلسه لتسجيل ندوة دينية.
وكان في المجلس بعض العلماء وآثرت ـ عندما طلب مني الحديث ـ أن أجعل وقتي لسيادته.
فأبى وأصر على أن يستمع إلي، وتحدثت وأبدى بذوقه الرفيع استحسانه وتقديره، واستمع إلى جميع الحاضرين.
وحدثني عن سمة التواضع المتأصلة فيه منذ طفولته عندما قال إن والده رحمه الله أوصاه وصيتين لا يتركهما طوال حياته:
أما الوصية الأولى:
فهي التواضع وبين أن التواضع هو سر الرفعة والصعود، وأنه ينقاد به الخير للإنسان وتتكشف له أسرار العلم.
وأما الوصية الثانية:
التي أوصاه الوالد بها فقالها باللغة الدارجة ـ العامية ـ " اشعبط في ربنا " ولا تخف من مخلوق.
ومراد العبارة أن الاتصال بالله ينجي صاحبه من كل شر، حتى ولو كان على سبيل الاتصال الذي لا يبلغ القمة، فالله يحب من عباده أن يتقربوا إليه ولو قليلا ما داموا مخلصين.
كما جاء في الحديث القدسي:
"من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة".
وتابع الدكتور أحمد عمر هاشم :
من ذكرياتي مع فضيلة الشيخ الشعراوي لقاؤنا في مكة المكرمة، وحين علم أحد المصريين بقدومه قصدني أن أشفع له عنده في طلب.
وكان الشيخ يحب الخير لجميع الناس ولا يرد أحدا يطرق بابه، وما أن رجوته إلا واستجاب، لأنه دائما وأبدا يذكر ويكرر أمامنا : " إن من نعم الله عليكم حوائج الناس إليكم".
وأذكر في هذا الصدد لقائي به عندما ذهبت في إعارة من جامعة الأزهر إلى جامعة الملك عبد العزيز، وهي الآن تسمى جامعة أم القرى، وكان يقوم بالتدريس فيها.
فلما وصلت إلى مكة علمت أن فضيلة الشيخ الشعراوي اختير وزيرا للأوقاف في مصر.
وأني سأقوم بتدريس المنهج الذي كان يقوم به، فرأيت أن أذهب لزيارته في مقر سكنه في صحبة أستاذي فضيلة الدكتور الحسيني هاشم وكيل الأزهر الأسبق فاستقبلنا بالبشر والترحاب وعرفت من فضيلته المنهج الذي سأقوم باستكمال تدريسه للطلاب.
وكان إمام الدعاة إلى جانب تواضعه الجم وإلى جانب قضائه لحوائج الناس في قمة الكرم والبذل والعطاء.
فعندما زرناه عند عودته من رحلة العلاج في لندن أعطى جميع الوفد هدايا قيمة لكل فرد عباءة ( امبريال ).
وكان يحفظ في بيته جميع المقاسات حتى يعطي كل زائر ما يتناسب مع مقاسه، وفي هذه الزيارة، قدمت إليه قصيدة شعرية هنأته فيها بسلامة الوصول وجاء فيها :
فرحت بمقدم ركبك العلماء*** وتبسمت مصر ولاح ضياء
والمسلمون توافدوا للقائكم***فشفاؤكم للمسلمين شفاء
وسر فضيلته بالقصيدة وبعد أن شكرني قال في تواضع جم ـ كما هي عادته ـ لا أستطيع أن أبادلك شعرا بشعر.
ولكني استطعت أن أبادل الشاعر السعودي الدكتور غازي القصيبي وكان سفيرا للسعودية في لندن وقتئذ.
ولما علم أن الشيخ أجرى جراحة استئصال للمرارة زاره وكتب بيتين من الشعر قال فيهما:
أدعوا لشيخ المسلمين*** بأن تدوم به النقاوة
لما مضت عنه المرارة*** لم تعد إلا الحلاوة
فأجابه الإمام الشيخ الشعراوي قائلا على الفور مرتجلا:
الله أسأله لغازي أن يديم به الحفاوة
بسليم أجهزة تعيش مع المرارة في حلاوة
وكم من ذكريات طيبة كانت لنا مع الشيخ الشعراوي رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
الكاتب: عبد الرحمن هاشم
المصدر: موقع المستشار